مشروعك ليس منافسك: لماذا يجب التمركز حول العميل لا السوق؟

مشروعك ليس منافسك: لماذا يجب التمركز حول العميل لا السوق؟

July 28, 2025

انتبه إذا كنت تُلاحق خطوات المنافسين دائماً.. لأنك بذلك تقع في فخّ التقليد وتفقد بوصلتك!

“خفّض المنافسين الأسعار؟ نخفض. أطلقوا منتجاً؟ نطلق. غيّروا الشعار؟ نعيد تصميمه.”

لكن الحقيقة التي يغفل عنها الكثيرون هي أن المنافس يخدم جمهوراً مختلفاً، وفي ظروف مختلفة، وباحتياجات ليست بالضرورة مثل جمهورك.

ولا يأتي النجاح من مراقبة الآخرين، بل من الإصغاء العميق لمن هم في قلب مشروعك: أيّ عملاؤك.

دعنا نُقرّب لك الأمر أكثر:

تعرّف معنا على "فيصل"، المؤسس الشريك لمنصة تقنية ناشئة في مجال الخدمات اللوجستية بالرياض.

تابع فيصل السوق باهتمام مهووس منذ إطلاق مشروعه، ووجّه تركيزه الأكبر لمنافسيه:

  • من أين حصلوا على تمويل؟
  • ما نوع الشراكات التي يعلنون عنها؟
  • كيف يروّجون لمنتجاتهم؟

وغيّر خطط شركته أكثر من مرة لمجرد أن منافساً ما أطلق ميزة جديدة، أو أعلن عن عرض تسويقي لافت جذب العملاء.

ومع الوقت، بدأ يشعر أن مشروعه يتباطأ، رغم أنه كان يُقلّد من يفترض أنهم "ناجحون".

وتوقف فريقه عن التفاعل مع العملاء كما كانوا يفعلون في البداية، وتراجعت مؤشرات الاستخدام والرضا عند العملاء، رغم أن الأرقام التسويقية كانت تبدو جيدة.

ثم جاءت الصدمة!

خلال اجتماع مع مستثمر مهتم، وبينما كان فيصل يعرض أرقام التوسّع وخطط المنافسة، قاطعه المستثمر وقال:

"أنا شايف أنك قضيت وقت طويل تراقب السوق، بس ما سمعت شيء عن تجربة عميلكم فعلياً."

ثم أضاف:

"ممكن تقول لي آخر مرة حدّثتوا فيها خريطة رحلة العميل؟ أو متى آخر مرة عملتوا مقابلة مع عملاء فقدتوهم؟"

في تلك اللحظة، شعر فيصل بأن العرض التقديمي بأكمله فقد وزنه.

فكل ما قدّمه كان تكراراً لما يفعله الآخرون، دون فهم حقيقي لما يريده عميله الفعلي.

هذا الموقف لم يكن مجرد تعليق عابر من مستثمر، بل كان نقطة تحوّل دفعت فيصل لإعادة التفكير في أساسات شركته... وهنا بدأ يدرك أهمية التمركز حول العميل Customer centricity.

ما هو التمركز حول العميل Customer centricity؟

التمركز حول العميل هو استراتيجية عمل شاملة تضع احتياجات العميل وتجربته في صميم جميع القرارات والعمليات داخل الشركة. لا يقتصر الأمر على "الاهتمام بالعميل" كقيمة معنوية، بل يتعداه إلى بناء نظام متكامل تُقاس فيه كل خطوة، من تطوير الخدمات وحتى المتابعة بعد البيع، بمدى تأثيرها الإيجابي على العميل.

الشركات المتمركزة حول العميل لا تنتظر الشكاوى، بل تراقب سلوك العميل، وتستمع لملاحظاته، وتُدخل التحسينات بناءً على ما يحتاجه فعلاً.

هذا المفهوم النظري لا يبقى حبرًا على ورق عندما يُطبّق بالشكل الصحيح، بل ينعكس على الأداء والتجربة والعوائد. فلننتقل الآن لشرح لماذا يعتبر التمركز حول العميل ضرورة استراتيجية وليس مجرد خيار.

لماذا التمركز حول العميل هو محرك النمو الحقيقي لمشروعك؟

لم يعد كافياً اليوم أن تُقدّم منتجاً جيداً،فقط بل يجب أن تُقدّم تجربة متكاملة تتمحور حول احتياجات العميل وتوقّعاته، لأن هذا هو العامل الفاصل بين النمو المؤقت والنمو المستدام. اعتماد هذا النهج يحقق فوائد ملموسة ومترابطة:

1 زيادة ولاء العملاء وقيمتهم مدى الحياة (CLTV)

عندما يشعر العميل بأنه مسموع ومقدَّر، يصبح أكثر استعداداً للعودة وتكرار التجربة، مما يعزز التسويق الشفهي (word of mouth) وتقليل تكلفة الاستحواذ. ويزيد من القيمة طويلة الأمد لكل عميل.

2- تحسين العائدات من خلال التجربة الشخصية

حسب دراسة نشرها موقع mckinsey، فإنّ الشركات التي تعتمد على التخصيص والتجربة المصمّمة حسب احتياجات العملاء تحقق إيرادات أعلى بنسبة تصل إلى 40٪ مقارنة بمنافسيها الأقل نجاحاً، وفي المقابل يشعر 76٪ من العملاء بالإحباط عند عدم تقديم تجربة مخصصة لهم.

3- دفع العملاء للإنفاق أكثر

التجارب التي تعكس فهماً حقيقياً لرغبات العميل تؤدي إلى زيادة في الإنفاق. أكثر من 60٪ من المستهلكين قالوا إنهم سيكونون مستعدين للشراء أكثر إذا شعروا أن العلامة التجارية تهتم بهم حقاً، وذلك حسب دراسة أجراها موقع qualtrics.

4- ميزة تنافسية مستدامة

الشركات التي تتبنّى التمركز حول العميل تتفوق بوضوح على منافسيها في السوق، فقد أظهرت الدراسات أن الفجوة في أسعار أسهم الشركات الرائدة في تجربة العميل مقارنةً بالشركات المتأخرة في هذا المجال ارتفعت من 24 نقطة في 2019 إلى 66 نقطة بنهاية 2021.

5- وضوح في القرارات الاستراتيجية

عندما يكون التمركز حول العميل جزءاً من القيم الأساسية للشركة، يصبح بوصلة توجه القرارات اليومية. السؤال البسيط: "هل هذا القرار يصب في مصلحة العميل؟" يمكن أن يُحدث فارقاً كبيراً في الحفاظ على جودة التجربة وتماسك الرؤية.

لا تكتفي الشركات المتمركزة حول العميل بإرضاء العملاء فقط، بل تبني نموذجاً تجارياً أكثر استدامة وربحية، وتؤسس لعلاقة طويلة الأمد مع جمهورها، تثمر عن نمو حقيقي وتفوق تنافسي يصعب مجاراته.

ومع هذه الفوائد، يصبح واضحًا أن التمركز حول العميل لا يقتصر على قسم خدمة العملاء أو التسويق، بل هو ثقافة شاملة تُوجّه كل قرار، وهذا بالضبط ما يجعل بعض الشركات في طليعة السوق.

3 خطوات عملية لبدء رحلة التمركز حول العميل

الاقتناع بالمبدأ سهل، لكن التطبيق هو التحدي الحقيقي. إليك خطوات عملية يمكنك البدء بها غداً:


1. انتقل من جمع البيانات إلى الإصغاء الفعّال:
توقف عن الاعتماد على الاستبيانات العامة فقط. خصص وقتاً كل أسبوع لإجراء مقابلات عميقة مع 3-5 من عملائك (عميل سعيد، عميل غاضب، وعميل توقف عن استخدام خدمتك). اسألهم عن تجربتهم، عن المصاعب التي واجهوها، وعن "اللحظة" التي شعروا فيها بالرضا أو الإحباط. اقرأ تذاكر الدعم الفني، واستمع إلى تسجيلات المكالمات البيعية. هذه هي كنوزك الحقيقية.



2. ارسم خريطة رحلة العميل (Customer Journey Map):
تعاون مع فريقك لتتبع كل نقطة تلامس بين العميل ومشروعك: من أول إعلان يراه على انستقرام، مروراً بتجربته على موقعك، وانتهاءً بالتواصل مع خدمة العملاء. في كل مرحلة، اسأل: "ما الذي يشعر به العميل هنا؟ ما هي نقاط الألم؟ وكيف يمكننا تحسينها؟". هذا التمرين سيكشف لك عن فجوات لم تكن تراها.



3. اجعل "العميل" مسؤولية الجميع:
التمركز حول العميل ليس وظيفة قسم واحد، بل ثقافة متجذرة في الشركة بأكملها. شارك نتائج مقابلات العملاء مع فريق المطورين ليعرفوا تأثير المشاكل التقنية على المستخدم. اجعل فريق التسويق يفهم اللغة الحقيقية التي يستخدمها العملاء لوصف مشاكلهم. عندما يفكر الجميع من منظور العميل، تتغير جودة القرارات بشكل جذري.

الخاتمة: التمركز حول العميل ليس خياراً، بل هو هويتنا

لم يعد التركيز على العميل مجرد استراتيجية، بل هو ضرورة لبناء شركات مستدامة ومؤثرة.

وهذا بالضبط ما نؤمن به ونطبقه في باي فلو. نحن لا نرى أنفسنا مجرد مزود للخدمات المالية والمحاسبية، بل شريك مالي وسند لرواد الأعمال والمدراء التنفيذيين للشركات الصغيرة والمتوسطة. لهذا السبب، لم نكتفِ بتقديم تقارير مالية، بل أضفنا اجتماعاً شهرياً لشرحها، لأننا استمعنا لعملائنا الذين شعروا بالضياع وسط الأرقام وأرادوا فهماً أعمق.

النجاح في باي فلو لا يُقاس فقط بالأرقام التي نسجلها، بل بمدى الوضوح وراحة البال التي نقدمها لكل عميل نخدمه.